Huffingtonpost- ترجمة بلدي نيوز
لقد بدأت عملية تفكك الاتحاد الأوروبي، فقد ترجمت نتائج Brexit سلسلة من الأحداث التي قد تعني في نهاية المطاف الموت للاتحاد المثالي للدول الأوروبية، "مارين لا بان" من الجبهة الوطنية في فرنسا أعلنت عن ابتهاجها لخروج المملكة المتحدة، في حين قالت بأنها ونظرائها في دول الأوروبية الأخرى، قد لقوا تشجيعاً من تلك النتائج، تدفعهم لتقديم أجندتهم الخاصة، إن تشجيع الطرد المركزي، ومجموعات القوميين المتطرفين، والمجموعات الشبه فاشية، لا يبشر بالخير بالنسبة للسلام العالمي، وبصرف النظر عن العوامل المحلية، فإن ذلك الاتجاه يمكن أن يعزى إلى سياسات أوباما المتشددة وباختصار، عدم مبالاته إزاء الحرب السورية والتي مزقت نسيج الاتحاد الأوروبي.
ولا يمكن لأوباما الالتفاف على اللوم الملقى عليه بتسريع عملية تفكك الاتحاد الأوروبي، فقد كان التصويت بـ"نعم" صدمة كبيرة في الاستفتاء البريطاني، وهو نتيجة لسنوات من سحب إدارة أوباما للبساط من تحت أقدام الاتحاد، فقد ظلت القوى المؤثرة في أوروبا إلى حد كبير على الهامش حتى بداية الأزمة السورية، بينما رسم أوباما خطه "الأحمر" ومن ثم نسي أن يراقبه، مانحاً نظام الأسد ونظيره الإيراني ووكلاؤهم الحرية المطلقة في قتل وتشويه العديد من المدنيين بقدر ما يريدون، ونتج عن ذلك القصف الدامي في نهاية المطاف ظهور تنظيم "داعش"، وفي حين قام أوباما بتركيز طاقاته على معالجة مسألة هذا التنظيم، ونسي معالجة الأسباب الجذرية لظهوره، بل أنه وعوضاً عن ذلك، اختار النوم مع العدو في غرفة واحدة في هذه الحالة.
وهكذا بدأ الملايين من اللاجئين، الذين كانوا يبحثون عن مأوى في دول الجوار كالأردن ولبنان وتركيا بالتدفق نحو أوروبا، لقد أصبحت أزمة اللاجئين نقطة تحول تاريخية في الاتحاد الأوروبي، وبينما كانت الولايات المتحدة غير راغبة في مساعدة حلفائها على المدى الطويل، لم تقم سوى بقبول بضعة مئات فقط من ملايين اللاجئين، واستسلم الاتحاد الأوروبي أمام الموجة التي لا هوداة فيها من تدفق المزيد من اللاجئين، وهذا بدوره، قام بتشجيع القوى الأوروبية والتي اكتسبت زخماً كافياً للتأثير على القرارات السياسية.
وما حدث لاحقاً من هجمات إرهابية في كل من باريس وبروكسل، لم يغير من استمرار تحفظ الولايات المتحدة في معالجة الأزمة السورية بطريقة مجدية، والتي جلبت إلى القارة الأوروبية أزمة وجودية حقيقية، وبينما لا يزال يمكن للاتحاد الأوروبي البقاء على قيد الحياة فإن ذلك سيكون مهمة شاقة بالنسبة لألمانيا وفرنسا، -المحوران الرئيسيان لذلك الاتحاد- وذلك لاستيعاب خسارة المملكة المتحدة، وتوفير الزخم الاقتصادي الذي يكفي الآخرين لمواصلة التعاون، إن استقالة ديفيد كاميرون يمكن أن تتنبأ بمصير مماثل لغيره من القادة في أوروبا، وخاصة إذا كانوا سيواجهون التحديات الانتخابية من ما يسمى "بالقوميين".
إن المستفيد الأكبر من نتائج Brexit سيكون روسيا بلا شك، بينما أصبح بوتين بالفعل يستغل ما يحصل في الاتحاد الأوروبي لدفع أجندته التوسعية، بينما منحه أوباما ما يكفي من الفسحة لفرض إرادته ليس فقط في أوروبا وحسب، بل أيضا في الشرق الأوسط.
إن نتائج Brexit ستؤثر بشكل غير مباشر على حلف شمال الأطلسي، والذي أصبح يتعرض للضغوط بسبب الخلافات الداخلية وتزايد الاستفزازات الروسية له، وفي خضم هذه الفوضى، فإن الولايات المتحدة تقف إلى حد كبير موقف المتفرج الصامت، والأهم من ذلك، فإنها قد ساهمت إلى حد كبير في تلك الأزمة، وستظل في المستقبل من بين العديد من إخفاقات سياسة أوباما الخارجية مسألة Brexit وسوريا، ومن المرجح أن تستمر هيلاري كلينتون بسياسات إدارة أوباما، وبالتالي قد تزيد من تعقيدات الوضع، في حين أشاد دونالد ترامب بالفعل بنتائج Brexit في حين أنه سيكون أقل رغبة في حفظ أي واجهة للعلاقات الودية مع أوروبا.
إن الولايات المتحدة متشابكة جداً مع القارة الأوروبية وبالتالي لا يمكنها الهروب من تداعيات ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتفكك في المستقبل، فلقد عانى هذا تحالف العابر للأطلسي الكثير من التحديات في الماضي، ولكنه يتفكك الآن تحت ظل التحديات المعاصرة، بينما لم يتبقَ لإدارة أوباما سوى القليل من الوقت، وانعدام أي نوايا في نظره لتصحيح أخطائه السابقة، فإن ترامب المجنون، وهيلاري غير المبالية، سيقومان بتسريع زوال ذلك الحلف البديع، ويمكن للمرء أن يأمل بأن هيلاري كلينتون لا تزال تستطيع تحقيق نتائج أفضل نسبياً من نظيرها ترامب، ولكن ومع ذلك، وفي نهاية المطاف، فإن أوباما هو من سيذكر دوماً، باعتباره أحد المحرضين الرئيسيين لزوال الاتحاد الأوروبي، إن كان لذلك أن يصبح حقيقة واقعة.